زلزال تركيا وسوريا، الأمم المتحدة، وأزمة المساعدات
قراءة في ضعف الاستجابة من الأمم المتحدة، وتضييق نظام الأسد، ولماذا لا تقاوم الأمم المتحدة هذه الضغوط..
بعد تعرض سوريا وتركيا للزلزال المدمّر، تناقلت وسائل الإعلام صور وأخبار ومشاهد انقاذ المنكوبين، وسمعنا جميعًا عن تعرّض السوريين تحديدًا لما أُطلق عليه “تجاهل الأمم المتحدة للسوريين”، لذلك رغبت بكتابة بعض الأسطر التي أحببت أن انقل فيها بعض المعلومات من باب الاختصاص. في هذه المقالة أودّ أن أشير إلى بعض الجوانب التي قد يجهل كثير من الناس وهي:
كيف تعمل منظمات الأمم المتحدة في هذه الأزمات أو كيف يعمل نظام الإغاثة الأممي بشكل أخص؟
لماذا لم تقم الأمم المتحدة بالتحرك مباشرة بعد حدوث الزلازل؟
آلية تحديد المعابر الحدودية؟ (جميعنا سمعنا عن معبر باب الهوا)
for a rough translation, click here..
1. برامج الإغاثة في الأمم المتحدة: البطء والثقل، كطبيعة للعمل..
تقوم برامج الإغاثة في الأمم المتحدة على عدة عوامل مهمة تحاول فيما بينها تحقيق التكامل في جهود الإغاثة، ومحاولة الوصول إلى أكبر عدد من الناس، واستخدام الموارد المتاحة بشكل أفضل، لذلك نجد UNOCHA (مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية) دائمًا ما يكون متواجدًا في مناطق النزاع، وأينما تجد اللاجئين ستجد المفوضية العليا للاجئين UNHCR. تقوم هاتين المنظمتين بشكل أساسي بتنسيق تواجد منظمات الإغاثة في مناطق النزاع، تسجيل اللاجئين رسميًا (حتى يتم تدقيق حالات اللجوء السياسي والإنساني)، وتوزيع مهام عمل منظمات الإغاثة المختلفة جغرافيًا وكذلك نوعيًا. لذلك، ستجد أن هذه النوعية من تنسيق الجهود يتطلب الكثير من الجهد لأنك ستجد العاملين المسجلين رسميًا والمتطوعين، والمرتزقة الذين يحاولون الوصول للاجئين، وغيرهم الكثير. إضافةً إلى ذلك، تقوم هذه المنظمات بتقدير احتياجات اللاجئين أو المنكوبين في مناطق الإغاثة وعمليات المسح. نسمع كثيرًا بعد ساعات قليلة من حدوث الأزمات عبارات مثل “يتوقع أن يصل عدد اللاجئين/المنكوبين إلى xxxx” أو “المساحة التي يتوقع حدوث الأزمة فيها هي كذا وكذا” وهذه كلها إحصائيات ابتدائية يقوم بها عاملين متخصصين في الأمم المتحدة وتعتمدها الدول التي تساهم في برامج الإغاثة أو الدعم المادي.
لا يخلو هذا العمل من البطء، وهذه سمة في أي منظمة/جهة عمل تحتوي على عشرات الآلاف من الموظفين ولحساسية هذه المهام ذات العواقب الكبيرة. أعرف الكثير من الزملاء وعملت كثيرًا مع موظفي منظمات الأمم المتحدة المختلفة، والجميع يتفق أن هذه المنظمات مصابة بالتخمة الإدارية، ولكن هذا موضوع آخر.
السؤال الذي يتم طرحه بشكل أو بآخر عند حصول أي أزمة أو نزاع يستوجب نزوح اللاجئين داخليًا أو من خلال عبر الحدود هو: كيف تقوم الأمم المتحدة بتوصيل المساعدات؟
والإجابة على هذا السؤال هي ضمن أحد طريقين:
أن تقوم منظمات الأمم المتحدة المختلفة بإيصال المساعدات بنفسها ونشاهد هذا غالبًا في برنامج الأمم المتحدة للغذاء WFP وهو أحد أكبر المنظمات التابعة للأمم المتحدة، وغيرها من المنظمات، والقافلات التي يتم تسييرها تعتبر قافلات تابعة للأمم المتحدة وتعمل تحت نطاقها وإمرتها (على سبيل المثال، سيّرت المنظمة ما يقرب 143 قافلة تحت توجيه OCHA منذ حدوث الزلزال)
أن تقوم الأمم المتحدة بتمويل منظمات إنسانية تعمل داخل أراضي النزاع واللجوء، وقد قامت الأمم المتحدة بالتعاون مع مختلف أنواع المنظمات، ذات طابع ديني أو غيره، وتقوم بذلك وستظل تقوم بذلك لأن ذلك يتيح لها إصابة أكثر من هدف، منها تعزيز دور مؤسسات العمل الإنساني في الدول التي تعمل فيها، وكذلك تعزيز الثقة المجتمعية في المنظمات الأممية عن طريق الشراكة مع الجهات المحلية التي تحظى بثقة الناس. والأمثلة في الكويت كثيرة، منها استعانة اليونيسف في العون المباشر في بعض برامج الصومال وجيبوتي.
لذلك دائمًا ما نسمع: “ماذا عند الأمم المتحدة غير الشجب والاستنكار؟”
2. إذا كانت الأمم المتحدة على هذا القدر من الضلوع في تحديد أشكال المساعدات وغيرها، لماذا لم تقم بالتحرّك مباشرة؟
في هذه المسألة تحديدًا، نحتاج إلى الخروج قليلًا من دائرة العمل الإنساني والدخول في كيفية عمل الأمم المتحدة مع الدول التي تعمل معها أو فيها.
للعمل في دولة معينة، تحتاج منظمات الأمم المتحدة إلى الحصول على موافقة الدولة التي تعمل معها (في هذه الحالة سوريا ونظام الأسد)، وذلك لأن هذه الدول التي تعمل معها الأمم المتحدة غالبًا ما تكون دولة عضو، ولذلك تسعى الأمم المتحدة بشكل أو بآخر إلى احترام سيادة هذه الدولة، وفي هذا إشكالية معيّنة، لأن الأمم المتحدة ليست جهة فارضة للقانون الدولي، لكنها جهة دعم ومناصرة (Advocacy Group) ، لذلك دائمًا ما نسمع: “ماذا عند الأمم المتحدة غير الشجب والإستنكار؟” كذلك الأمم المتحدة ليست لديها قوات أمن تدافع عن موظفيها من حالات التعرض للقصف/الهجوم/الاغتيالات، لذلك دائمًا ما نسمع عن تعرض هؤلاء الموظفين لبعض هذه الاعتداءات.
من هذا الباب، تتطلّب الأمم المتحدة العمل مع أطراف النزاع نفسها للعمل في بيئة معينة، وقد يتعرض عاملي الأمم المتحدة في هذه الدولة للطرد تبعًا لأهواء الأنظمة الحاكمة (مؤخرًا قامت طالبان بهذا العمل، مما أدى إلى هبوط أكثر من 90٪ من الشعب الأفغاني دون خط الفقر وتعظيم خطر المجاعة في البلد الذي يعاني أصلًا، قامت مصر بنفس الأمر كذلك، وباكستان كذلك قبل حادثة الفيضانات، والهند ضيقت الخناق على أغلب المنظمات في عهد مودي)
إذا تركنا النطاق السياسي جانبًا، نأتي إلى الجانب العملي وهو حين حدوث الزلزال لم يكن لدى الأمم المتحدة إلا معبر حدودي واحد، وكان هذا المعبر ضمن المناطق الأكثر تأثرًا، مما حدى بالأمم المتحدة إلى القيام بدراسة مخاطر للطرق التي تؤدي لذلك المعبر لكون الطرق نفسها تعرضت للدمار، الأمر الذي أدى إلى تعثر الوصول حتى داخل تركيا، ناهيك عن المعضلات السياسية التي ترتبط بمعبر باب الهوا، المنفذ الوحيد لكل عمليات الدعم الإنساني للاجئي شمال سوريا، المنطقة التي ما زالت ترضخ تحت القصف الروسي/السوري بجميع أنواعه. هذا الأمر يرتبط بشكل جزئي كذلك بالعقوبات الاقتصادية على النظام المالي السوري، وصعوبة وصول الدعم المالي للمنظمات التي تعمل من داخل سوريا.
3. ما هي آلية تحديد المعابر الحدودية؟ وما هو المخرج من هذا المأزق؟
نأتي إلى السؤال الأهم ربّما في هذه المقالة، وهو تضييق نظام الأسد المتعمّد لسير المساعدات الإنسانية خصوصًا فيما يتعلق بإغلاق المعابر الحدودية في وجه المساعدات الإنسانية.
كانت المساعدات تمر من خلال 4 معابر حدودية في الشمال السوري عن طريق الحدود السورية التركية، ولكن منذ عام 2014، قامت سوريا و-ما زالت- بإغلاق كل المعابر إلا معبر باب الهوا ، وذلك بالاعتراض عن طريق الڤيتو الروسي (والصيني بعض الأحيان) على أي قرار من مجلس الأمن بتعزيز الدعم الإنساني والمساعدات للشمال السوري. هذا الأمر أدى إلى تعريض هذه المناطق للحصار والمجاعة والموت فعليًا عن طريق القصف والأسلحة الكيماوية بشكل أعمّ. كان هذا التمديد يمرّ بشكل سنوي مما يعرض السوريين في الشمال الغير خاضع للنظام لخطر الموت جوعًا وتضييق الخناق على العمليات الإنسانية، حتى قامت روسيا في السنة الماضية بتضييق فترة السماح للمساعدات حتى في المعبر الوحيد إلى 6 شهور..! لذلك، كون الأمم المتحدة لا تقوم بإيصال المساعدات لا يقف فقط على مقدرة الأمم المتحدة نفسها..
في الأيام الماضية (في الأمس تحديدًا) سمح نظام الأسد بفتح 3 معابر لمرور المساعدات، وحتى نعرف حجم التضييق، بعض أكبر المنظمات الإنسانية مثل أطباء بلا حدود لم تستطع الدخول حتى يوم أمس، وهذا القرار هو قرار سياسي بحت يسعى فيه نظام الأسد إلى تجويع المعارضة فعليًا حتى الموت.
وكيف يخرج العالم من مأزق عدم وصول المساعدات إلى المحتاجين؟ لا أعرف، لأن هذا الأمر يتطلب إعادة النظر في مجلس الأمن نفسه، وهذا موضوع مختلف تمامًا..
من الجانب الآخر، مسؤولي الصليب الأحمر حثّوا نظام الأسد على إيصال المساعدات للشمال السوري لأن النظام السوري يتطلب من كل من يرغب في إيصال المساعدات بالمرور عن طريق النظام، وهذا الأمر يؤدي فعليًا إلى سرقة النظام للمساعدات، وتعريضها للإيقاف. وكلنا سمعنا عن البلبلة التي حدثت منذ بدأت الكارثة عن فعالية وصول المساعدات إلى السوريين، حتى سمعنا عن تنادي الناس بالتوقف عن التبرع لأنه فعليًا في الشمال السوري أصبح الوصول إلى المنكوبين من المهمات شبه المستحيلة إلا عن طريق التبرع المباشر غير المؤسسي..
كشفت هذه الأزمة (كغيرها) عن قصور نظام الأمم المتحدة الحالي عن تجاوز المعضلات السياسية التي تمنع نظام ما من الطغيان على مجموعة أو فئة أو أقلية، والشواهد في هذا كثيرة.
لكن مما يجب التنويه له أنه لم تزل منظمات الأمم المتحدة الأقدر على الوصول إلى أكبر عدد من الناس في حالة المجاعة والفيضان والنزوح وغيره، وذلك لعظم حجم الدعم الذي تتلقاه هذه المنظمات، ولطبيعتها السياسية الخاصة التي تتيح لهذه المنظمات التواجد في أصعب الأماكن في العالم (أعرف بعض الزملاء ممّن عملوا وعاشوا في كوريا الشمالية!). هل هناك طرق أفضل للتبرع في بعض الأزمات من التبرع المباشر للأمم المتحدة أو المنظمات الكبيرة؟ ممكن، ولكن كذلك يحمل هذا التبرع قيمة أكبر من كونه قيمة الإيصال المباشر للتبرعات، أو الخوف عليها من عدم الوصول، وقد تكون هناك أزمة ثقة في الأمم المتحدة في الدول العربية (بل حتى ضمن العاملين في المجال الإنساني أحيانًا)، لكن هذا لا يلغي مقدرة المنظمات الأممية على الوصول إلى أصعب الأماكن، وهذا في حد ذاته له قيمة..
إذن; ما هو أفضل نوع من المساعدات…؟
لو سألني أحدٌ ما: ما هي أفضل طريقة للتبرع للمحتاجين؟ تبرع لمن يعطي المحتاج المال فقط. التبرع النقدي المباشر له أكثر من قيمة، وأولها منح المحتاج حرية (وكرامة) اختيار الأولويات. والشواهد في هذا لا تحصى، بل هناك العديد من الشواهد أن التوزيع العيني يؤدي إلى فائض كبير من الألحفة والخيم وغيرها وشاهد حتى العاملين في الأمم المتحدة من يقوم باستلام أكياس الأرز ليقوم ببيعها حتى يشتري حاجاته الأخرى.. لذلك حاول أن تجد المنظمات التي تقدم الدعم المالي، وهذا توجه حديث نوعًا ما في المساعدات الإنسانية وتقوم به بعض المنظمات الأممية وبعض المنظمات الأخرى، لكنه شبه غائب في منظماتنا العربية والمسلمة.. هذا النوع من المساعدات Direct Cash Transfer هو أكثر أنواع التبرعات خضوعًا للدراسة والتدقيق، ويعتبر من أكثرها فاعلية في الاستجابة لحاجات المعوزين المباشرة، وأكثرها عائدًا مباشرًا..
وشكرًا.. حتى رسالة أخرى..